السلام مفتاح التنمية: كيف يصنع الاستقرار فارقًا في الاقتصاد والصحة والبيئة؟

السلام مفتاح التنمية: كيف يصنع الاستقرار فارقًا في الاقتصاد والصحة والبيئة؟

د. محمد علي الميالي

في ظل عالم يموج بالصراعات، يصبح السلام أكثر من مجرد غاية أخلاقية، بل شرطًا ضروريًا لتحقيق التنمية الشاملة. فالدول التي تنعم بالسلام تجني ثمارًا ملموسة في مجالات الاقتصاد، والصحة، وحماية البيئة، بينما تدفع الدول الغارقة في النزاعات أثمانًا باهظة على حساب شعوبها ومواردها.

  1. السلام والاقتصاد: عندما يزدهر الاستثمار وتتحرك عجلة الإنتاج
    السلام يوفر بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، ويمنح الحكومات فرصة لتوجيه الموارد نحو البناء بدلًا من الحرب.

رواندا: بعد الإبادة الجماعية عام 1994، اتجهت رواندا إلى المصالحة الوطنية والسلام، وبدأت رحلة تنموية مذهلة. نما الناتج المحلي الإجمالي بنحو 7% سنويًا خلال العقدين الماضيين، وأصبحت كيغالي العاصمة من أنظف المدن وأكثرها جذبًا للاستثمار في إفريقيا. السلام فتح الباب أمام السياحة المستدامة، حيث تشتهر رواندا اليوم بمحميات الغوريلا الجبلية وتجارب السياحة البيئية.

فيتنام: بعد انتهاء الحرب في 1975، ورغم البداية من الصفر، اعتمدت الدولة على السلام والاستقرار لإطلاق إصلاحات اقتصادية (خطة “دوي موي”)، مما أدى إلى ارتفاع صادراتها وتضاعف الناتج القومي، حتى أصبحت اليوم بين أكبر مصدّري الإلكترونيات والملابس عالميًا.

  1. السلام والصحة: البنية الصحية تنمو حين تتوقف البنادق
    السلام يمنح الأنظمة الصحية فرصة للتخطيط والتطوير، ويضمن وصول الخدمات الطبية للمواطنين بلا عوائق.

سيراليون: بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 2002، بدأت الدولة في إعادة بناء نظامها الصحي. ورغم الفقر، دعمت برامج التلقيح ورعاية الأمومة. كما أُطلقت مبادرات لتعزيز الصحة المجتمعية، وأصبحت بعض المناطق الريفية تصلها خدمات لم تكن تحلم بها أثناء الحرب.

كولومبيا: بعد اتفاق السلام عام 2016، تم توسيع نطاق الرعاية الصحية ليشمل المناطق النائية التي كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة. شهدت هذه المناطق انخفاضًا في معدلات وفيات الأمهات، وتحسنًا في خدمات الصحة النفسية الموجهة للناجين من النزاع.

  1. السلام والبيئة: حماية الطبيعة في غياب النزاع
    الحروب تدمر البيئة، من خلال الألغام والتلوث والتجريف، بينما يسمح السلام بسن قوانين حماية البيئة وتفعيلها.

كوستاريكا: بلد لم يعرف الحروب منذ أن ألغى جيشه عام 1948، وكرّس موارده للسلام والتعليم وحماية الطبيعة. اليوم، تُنتج كوستاريكا أكثر من 98% من طاقتها من مصادر متجددة، وتُعد نموذجًا عالميًا في الحفاظ على الغابات والتنوع البيولوجي. كل ذلك تحقق لأن السلام أتاح التخطيط طويل الأمد والتنمية البيئية.

البوسنة والهرسك: رغم الخراب البيئي الذي خلفته الحرب في التسعينيات، فإن مرحلة السلام أسفرت عن برامج لإزالة الألغام، واستصلاح الأراضي الزراعية، وإطلاق مشاريع للحفاظ على الأنهار والموارد المائية، بدعم من المجتمع الدولي.

خاتمة
لا تنحصر فوائد السلام في التهدئة فقط، بل تتجلى في كل تفاصيل الحياة. فهو الذي يسمح ببناء اقتصادات قوية، وتأسيس نظم صحية فعالة، وحماية كوكب الأرض من الاستنزاف. التجارب من رواندا إلى كوستاريكا تؤكد أن السلام ليس حلمًا بعيدًا، بل قرار وطني يثمر في الحاضر ويؤسس لمستقبل مستدام.

من مكتبة منشوراتنا

منشورات ذي صلة

انضم الينا

Google reCaptcha: مفتاح الموقع غير صالح.